الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
ومن شعر عمر رضي الله تعالى عنه وكان من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة: وقوله يروى للأعور الثنى: ومنه وقد لبس بردًا جديدًا فنظر الناس إليه، ويروى لورقة بن نوفل من أبيات: ومن شعر عثمان رضي الله تعالى عنه: ومن شعر علي كرم الله تعالى وجهه وكان مجودًا حتى قيل: إنه أشعر الخلفاء رضي الله تعالى عنهم يذكر همدان ونصرهم إياه في صفين: وقد جمعوا ما نسب إليه رضي الله تعالى عنه من الشعر في ديوان كبير ولا يصحح منه إلا اليسير، ومن شعر ابنه الحسن رضي الله تعالى عنهما وقد خرج على أصحابه مختضبًا: ومن شعر الحسين رضي الله تعالى عنه وقد عاتبه أخوه الحسن رضي الله تعالى عنه في امرأته: ومن شعر فاطمة رضي الله تعالى عنها قالته يوم وفاة أبيها عليه الصلاة والسلام: ومن شعر العباس رضي الله تعالى عنه يوم حنين يفتخر بثبوته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن شعر ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما: وهلم جرا إلى حيث شئت، وليس من بني عبد المطلب كما قيل رجالًا ولا نساء من لم يقل الشعر حاشا النبي صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك أبلغ في أمره عليه الصلاة والسلام، ولأجلة التابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وفقهاء المسلمين شعر كثير أيضًا، ومن ذلك قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: والاستقصاء في هذا الباب يحتاج إلى إفراده بكتاب وفيما ذكر كفاية، وقد مدحه أيضًا غير واحد من الأجلة فعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب، وعن علي كرم الله تعالى وجهه الشعر ميزان العقول.وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: إذا قرأتم شيئًا من كتاب الله تعالى فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب فإن الشعر ديوان العرب، وما أخرجه أحمد. وابن أبي شيبة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير من أن يمتلئ شعرًا» حمله الشافعي عليه الرحمة على الشعر المشتمل على الفحش، وروى نحوه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد أخرج الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن عائشة أنه بلغها أن أبا هريرة يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيمتلئ جوف أحدكم» الحديث فقالت: رحم الله تعالى أبا هريرة إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا» من الشعر الذي هجيبت به يعني نفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام ذكر ذلك المرشدي في فتاواه نقلًا عن كتاب بستان الزاهدين، ولا يخفى أنه يبعد الحمل المذكور التعبير بيمتلئ فإن الكثير والقليل مما فيه فحش أو هجو لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم سواء، وما أحسن قول الماوردي: الشعر في كلام العرب مستحب ومباح ومحظور فالمستحب ما حذر من الدنيا ورغب في الآخرة وحث على مكارم الأخلاق والمباح ما سلم من فحش أو كذب والمحظور نوعان كذب وفحش وهما جرح في قائله وأما منشده فإن حكاه اضطرارًا لم يكن جرحًا أو اختيارًا جرح، وتبعه على ذلك الروياني وجعل الروياني ما فيه الهجو لمسلم سواء كان بصدق أو كذب من المحظور أيضًا، ووافقه جماعة إلا أن إثم الصادق أخف من إثم الكاذب كما قال القمولي.وإثم الحاكي على ما قال الرافعي دون إثم المنشد، وقال الأذرعي: ليس هذا على إطلاقه بل إذا استوى الحاكي والمنشد أما إذا أنشده ولم يذعه فأذاعه الحاكي فاثمه أشد بلا شك، واحترز بقيد المسلم عما فيه الهجو لكافر فإن فيه تفصيلًا.وفصل بعضهم ما فيه الهحجو لمسلم أيضًا وذلك أن كثيرًا من العلماء أطلقوا جواز هجو الكافر استلالًا بأمر صلى الله عليه وسلم حسانًا ونحوه بهجو المشركين، وقال بعضهم: محل ذلك الكفار على العموم وكذا المعين الحربي ميتًا كان أو حيًا حيث لم يكن له قريب معصوم يتأذى به، وأما الذمي أو المعاهد أو الحربي الذي له قريب ذمي أو مسلم يتأذى به فلا يجوز هجوه كما قاله الأذرعي. وابن العماد. وغيرهما؛ وقالوا: إن هجو حسان وإن كان في معين لكنه في حربي، وعلى التنزل فهو ذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون عن القرب فضلًا عن المبحات، وألحق الغزالي وتبعه جمع المبتدع بالحربي فيجوز هجوه ببدعته لكن لمقصد شرعي كالتحذير من حجهته، وجوز ابن العماد هجو المرتد دون تارك الصلاة والزاني المحصن، وما قاله في المرتد واضح لأنه كالحربي بل أقبح وفي الأخيرين محله حيث لم يتجاهر أما المتجاهر بفسقه فيجوز هجوه ال تجاهر به فقط لجواز غيبته بذلك فقط.وقال البلقيني: الأرجح تحريم هجو المتجاهر المذكور لا لقصد زجره لأنه قد يتوب وتبقى وصمة الشعر السائر عليه ولا كذلك الكافر إذا أسلم. ورد بأن مجاهرته بالمعصية وعدم مبالاته بالناس وكلامهم فيه صيراه غير محترم ولا مراعى فهو المهدر لحرمة نفسه بالنسبة لما تجاهر به فلم يبال ببقاء تلك الوصمة عليه.نعم لو قيل بحرمة إنشاده بعد التوبة إذا كان يتأذى به هو أو قريبة المسلم أو الذمي أو بعد موته إذا كان يتأذى به من ذكر لم يبعد، وذكر جماعة أن من جملة المحظور أيضًا ما فيه تشبيب بغلام ولو غير معين مع ذكر أنه يعشقه أو بامأرة أجنبية معينة وإن لم يذكرها بفحش أو بامرأة مبهمة مع ذكرها بالفحش ولم يفرقوا بين إنشاء ذلك وإنشاده، واعتبر بعضهم التعيين في الغلام كالمرأة فلا يحرم التشبيب بهم.قال الأذرعي وهو الأقرب والأول ضعيف جدًا، وقال أيضًا: يجب القطع بأنه إذا شبب بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئًا من التشبيهات الظاهرة أنه لا يضر وكذا إذا ذكر امرأة مجهولة ولم يذكر سوءًا.وفي الأحياء في حرمة التشبيب بنحو وصف الخدود والإصداغ وسائر أوصاف النساء نظر، والصحيح أنه لا يحرم نظمه ولا إنشاده بصوت وغير صوت، وعلى المستمع أن ينزله على امرأة معينة فإن نزله على حليلته جاز أو على غيرها فهو العاصي بالتنزيل ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع، وذكر بعض الفضلاء أن ما يحرم إنشاؤه قد لا تحرم روايته فإن المغازي روى فيها قصائد الكفار الذين هاجوا فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر ذلك أحد، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم إذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يومي بدر. وأحد وغيرهما إلا قصيدة ابن أبي الصلت الحائية انتهى، قال الأذرعي: ولا شك في هذا إذا لم يكن فيه فحش ولا أذى لحي ولا ميت من المسلمين ولم تدع حاجة إليه، وقد ذم العلماء جريرًا. والفرزدق في تهاجيهما ولم يذموا من استشهد بذلك على إعراب وغيره من علم اللسان، ويجب حمل كلام الأئمة على غير ذلك مما هو عادة أهل اللعب والبطالة وعلى إنشاد شعر شعراء العصر إذا كان إنشاؤه حرامًا إذ ليس فيه إلا أذى أو وقيعة في الأحياء أو إساءة الأحياء في أمواتهم أو ذكر مساوي الأموات وغير ذلك وليس مما يحتج به في اللغة ولا غيرها فلم يبق إلا اللعب بالأعراض، وزاد بعض حرمة شعر فيه تعريض وجعل التعريض في الهجو كالتصريح وله وجه وجيه.وقال آخر: إن ما فيه فخر مذموم وقليله ككثيره، والحق إن ذلك أن تضمن غرضًا شرعيًا فلا بأس به، وللسلف شعر كثير من ذلك وقد تقدم لك بعض منه، وحمل الأكثرون الخبر السابق على ما إذا غلب عليه الشعر وملك نفسه حتى اشتغل به عن القرآن والفقه ونحوهما ولذلك ذكر الامتلاء، والحاصل أن المذموم امتلاء القلب من الشعر بحيث لا يتسع لغيره ولا يلتفت إليه. وليس في الخبر ذم إنشائه ولا إنشاده لحاجة شرعية وإلا لوقع التعارض بينه وبين الأخبار الصحيحة الدالة على حل ذلك وهي أكثر من أن تحصى وأبعد من أن تقبل التأويل كما لا يخفى.وما روى عن الإمام الشافعي من قوله: محمول على نحو ما حمل الأكثرون الخبر عليه وإلا فما قاله شعر، وفي معناه قول شيخنا علاء الدين علي أفندي تغمده الله تعالى برحمته مخاطبًا خاتمة الوزراء في الزوراء داود باشا من أبيات. هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى كلام يتعلق بهذا البحث أيضًا عند الكلام في قوله تعالى: {وَمَا علمناه الشعر وَمَا يَنبَغِى له} [يس: 69] له ومن اللطائف أن سليمان بن عبد الملك سمع قول الفرزدق: فقال له قد وجب عليك الحد فقال يا أمير المؤمنين: قد درأ الله تعالى عني الحد بقوله سبحانه: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} تهديد شديد ووعيد أكيد لما في {سيعلم} من تهويل متعلقه وفي {يَرَى الذين ظَلَمُواْ} من الإطلاق والتعميم، وقد كان السلف الصالح يتواعظون بها، وختم بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصيته حين عهد لعمر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتب في مرض موته حينئذ {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر ويصدق فيها الكاذب إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وأن يجر ويبدل فلا عغلم فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَيَ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، وتفسير الظلم بالكفر وإن كان شائعًا في عدة مواضع من القرآن الكريم إلا أن الأنسب على ما قيل هنا الإطلاق لمكان قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} وقال الطيبي: سياق الآية بعد ذكر المشركين الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقى منهم من الشدائد كما مر من أول السورة يؤيد تفير الظلم بالكفر.وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن عباس. وابن أرقم عن الحسن {أَيُّ} بالفاء والتاء والتاء الفوقية من الانفلات بعنى النجاة، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات {مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ} هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى {مُنقَلَبٍ} والناصب له {يَنقَلِبُونَ}، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في البحر.وقال أبو البقاء: أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف والعامل {يَنقَلِبُونَ} أي ينقلبون انقلابًا أي منقلب ولا يعمل فيه يعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله: وتعقب بأنه تخليط لأن أيًا إذا وصف بها لم تكن استفهامًا. وقد صرحوا بأن الموصوف بها قسيم الاستفهامية، وتحقيق انقسام أي يطلب من كتب النحو والله تعالى أعلم.ومما قيل في بعض الآيات من باب الإشارة: {طسم} [الشعراء: 1] قال الجنيد: الطاء طرب التائبين في ميدان الرحمة. والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة. والميم مقام المحبين في ميدان القربة، وقيل: الطاء طهارة القدم من الحدثان والسين سناء صفاته تعالى التي تكشف في مرايا البرهان. والميم مجده سبحانه الذي ظهر بوصف البهاء في قلوب أهل العرفان. وقيل: الطاء طهارة قلب نبيه صلى الله عليه وسلم عن تعلقات الكونين. والسين سيادته صلى الله عليه وسلم على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام. والميم مشاهدته عليه الصلاة والسلام جمال رب العالمين، وقيل: الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] إلخ فيه إشارة إلى كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وأن الحرص على إيمان الكافر لا يمنع سوابق الحكم {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى أَنِ ائت القوم الظالمين قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} [الشعراء: 10، 11] إلى آخر القصة فيه إشارة إلى حسن التعاضد في المصالح الدينية والتلطف بالضال في إلزامه بالحجج القطعية وأنه لا ينبغي عدم الاحتفال بمن ربيته صغيرًا ثم رأيته وقد منحه الله تعالى ما منحه من فضله كبيرًا، وقال بعضهم: إن فيه إشارة إلى ما في الأنفس وجعل موسى إشارة إلى موسى القلب وفرعون إشارة إلى فرعون النفس وقومه إشارة إلى الصفات النفسانية وبني إسرائيل إشارة إلى الصفات الروحانية والفعلة إشارة إلى قتل قبطي الشهوة والعصا إشارة إلى عصا الذكر أعني لا إله إلا الله واليد إشارة إلى يد القدرة وكونها بيضاء إشارة إلى كونها مؤيدة بالتأييد الإلهي والناظرين إشارة إلى أرباب الكشف الذين ينظرون بنور الله تعالى والسحرة إشارة إلى الأوصاف البشرية والأخلاق الردية والناس إشارة إلى الصفات الناسوتية والأجر إشارة إلى الحظوظ الحيوانية والحبال إشارة إلى حبال الحيل والعصي إشارة إلى عصي التمويهات والمخيلات والمدائن إشارة إلى أطوار النفس وهكذا.وعلى هذا الطريق سلكوا في الإشارة في سائر القصص. فجعلوا إبراهيم إشارة إلى القلب وأباه وقومه إشارة إلى الروح وما يتولد منها والأصنام إشارة إلى ما يلائم الطباع من العلويات والسفليات وهكذا مما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وللشيخ الأكبر قدس سره في هذه القصص كلام عجيب من أراده فليطلبه في كتبه وهو قدس سره ممن ذهب إلى أن خطيئة إبراهيم عليه السلام التي أرادها بقوله: {والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} [الشعراء: 82] كانت إضافة المرض إلى نفسه في قوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] وقد ذكر قدس سره إنه اجتمع مع إبراهيم عليه السلام فسأله عن مراده بها فأجابه بما ذكر. وقال في باب أسرار الزكاة من الفتوحات إن قول الرسول {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}[الشعراء: 109] لا يقدح في كمال عبوديته فإن قوله: ذلك لأن يعلم أن كل عمل خالص يطلب الأجر بذاته وذلك لا يخرج العبد عن أوصاف العبودية فإن العبد في صورة الأجير وليس بأجير حقيقة إذ لا يستأجر السيد عبده بل يستأجر الأجنبي وإنما العمل نفسه يقتضي الأجرة وهو لا يأخذها وإنما يأخذها العامل وهو العبد فهو قابض الأجرة من الله تعالى فأشبه الأجير في قبض الأجرة وخالفه بالاستئجار اه.وحقق أيضًا ذلك في الباب السادس عشر والثلاثمائة من الفتوحات، وذكر في الباب السابع عشر والأربعمائة منها أن أجر كل نبي يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210-212] فيه إشارة إلى أنه ليس للشيطان قوة حمل القرآن لأنه خلق من نار وليس لها قوة حمل النور ألا ترى أن نار الجحيم كيف تستغيث عند مرور المؤمن عليها وتقول: جزء يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ولنحو ذلك ليس له قوة على سمعه، وهذا بالنسبة إلى أول مراتب ظهوره فلا يرد أنه يلزم على ما ذكر أن الشياطين لا يسمعون آيات القرآن إذا تلوناها ولا يحفظونها وليس كذلك.نعم ذكر أنهم لا يقدرون أن يسمعوا آية الكرسي. وآخر البقرة وذلك لخاصية فيهما {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} [الشعراء: 214] فيه إشارة إلى أن النسب إذا لم ينضم إليه الإيمان لا ينفع شيئًا، ولما كان حجاب القرابة كثيفًا أمر صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الشعراء: 215] هم أهل النسب المعنوي الذي هو أقرب من النسب الصوري كما أشار إليه ابن الفارض قدس سره بقوله: وأنا أحمد الله تعالى كما هو أهله على أن جعلني من الفائزين بالنسبين حيث وهب لي الإيمان وجعلني من ذرية سيد الكونين صلى الله عليه وسلم فها أنا من جهة أم أبي من ذرية الحسن ومن جهة أبي من ولد الحسين رضي الله تعالى عنهما. والله عز وجل هو ولي الإحسان المتفضل بصنوف النعم على نوع الإنسان والصلاة والسلام على سيد العالمين وآله وصحبه أجمعين.
|